- جواب مَن زعم تناقضًا بين تأثره صلى الله عليه وسلم عند وفاته بأكله من الشاة المسمومة في زمن خيبر، وقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (سورة المائدة: 67).
- قال: وقد قال نبيكم = صلى الله عليه وسلم = فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا عَائِشَةُ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ». (رواه البخاري)
- قال الإمام ابن الأثير في النهاية: الأبهر: عرق في الظهر؛ وهما أبهران. وقيل: هما الأكحلان اللذان في الذراعين. وقيل: هو عرق مستبطن القلب فإذا انقطع لم تبق معه حياة. انتهى
- وقد قال ربكم: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ. لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} (سورة الحاقة: 44- 47)
- قال الإمام البغوي: {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} قال ابن عباس: أي نياط القلب وهو قول أكثر المفسرين. وقال مجاهد: الحبل الذي في الظهر. وقيل هو عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب، فإذا انقطع مات صاحبه.
- فدل ذلك أن الله أهلكه بكذبه عليه لتوافق صفة الوفاة مع الوعيد على التقول على الله.
-
- الجواب:
1- الوعيد الوارد في سورة الحاقة ورد على بعض الأقاويل، أي: على أقل ما يطلق عليه افتراء على الله.
- وهذا الوعيد مما نزل بمكة: فهل هذه الآية من كلام الله أم لا؟
- إن قالوا: من كلام الله: فقد أثبتوا له الرسالة الوحي.
- وقد قال تعالى: {وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} (سورة الضحى: 4) فدل أنه صلى الله عليه وسلم لا يقع منه تبديل، وأنه على هدى من ربه حتى لقائه.
- وإن قالوا: ليست من كلام الله: فقد أسقطوا ما فيها من الوعيد: فلا يحتج بها على شيء.
2- وأيضًا: فالأكل من تلك الشاة إنما تم في أواخر العهد المدني بعد استقرار الدولة وتعاظم شوكتها، وانهيار دولة المشركين في جزيرة العرب تقريبًا، فهل يتصور وقوع الكذب من النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحال مع امتناعه حال الاستضعاف في العهد المكي؟ !!
3- وأيضًا: فليس في موته صلى الله عليه وسلم بعد سنوات متأثرًا بذلك السُّم شيء إلا: أن جمع الله له بين الحسنيين، وليكتب له مع أجر النبوة ((أجر الشهادة)).
4- ولا شك أن ((علمه صلى الله عليه وسلم بأنها مسمومة)) وإخباره بذلك عن مقالها له، ثم ثبوت الأمر على وفق ما أخبر: دليل آخر من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.
5- ولا شك أيضًا: أن عدم موته بالسم فور أكله من الشاة المسمومة كمن مات ممن أكل معه صلى الله عليه وسلم من نفس الشاة، ((وحياته سنوات)) بعد ذلك: هو علم آخر من أعلام نبوته وبراهين صدقه صلى الله عليه وسلم.
6- وأما قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ((بَلِّغْ)) مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (سورة المائدة: 67) فالعصمة من الناس فيه معلقة بالبلاغ بدلالة قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ} فإذا استكمل الدين اعتقادًا وتشريعًا وأتم صلى الله عليه وسلم البلاغ، ولم يؤمر صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بأمر يبلغه للناس كما في قوله تعالى: {الْيَوْمَ ((أَكْمَلْتُ)) لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (سورة المائدة: 3)
- فقد ذهب ملزوم العصمة وهو الحفظ من القتل.
- فلذلك لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى أخبر الله بإتمام البلاغ، ثم بعد الإتمام وقعت الوفاة.
7- وأيضًا فقد وقعت وفاته صلى الله عليه وسلم بعد ((تخييره)) فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ ((خَيَّرَ عَبْدًا)) بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ: فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ». فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه؛ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا يُبْكِى هَذَا الشَّيْخَ: إِنْ يَكُنِ اللَّهُ ((خَيَّرَ)) عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ ((فَاخْتَارَ)) مَا عِنْدَ اللَّهِ؟!! ((فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْعَبْدَ)) وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا. قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَىَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ: أَبُو بَكْرٍ؛ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي: لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ؛ لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ إِلاَّ بَابُ أَبِى بَكْرٍ». (رواه البخاري)
8- وقد أخبره الله سبحانه قبل وفاته صلى الله عليه وسلم أن لوفاته بشرى ((وعلامة خير)) وهي فتح مكة، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ .صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ». قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَاكَ تُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. فَقَالَ: «خَبَّرَنِي رَبِّي أَنِّى سَأَرَى عَلاَمَةً فِي أُمَّتِي فَإِذَا رَأَيْتُهَا أَكْثَرْتُ مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. فَقَدْ رَأَيْتُهَا {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَتْحُ مَكَّةَ {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًاْ». (رواه مسلم)
- وقال في حجة الوداع: «لَعَلِّي لاَ أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا». (رواه الترمذي وابن ماجة)
- وقال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا». فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رضي الله عنهما: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا ((لَوَصِيَّتُهُ)) إِلَى أُمَّتِهِ «فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا ((بَعْدِي)) كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». (رواه البخاري ومسلم)
- فهل تعد الوفاة بعد إتمام البلاغ وإكمال الدين والتخيير فيها: عقوبة عند أحد من العقلاء؟ !!
9- وأيضًا فالمأثور عنه صلى الله عليه وسلم في باب النبوءات الشاهدات بصدقه، والتشريعات والعقائد هو أضعاف أضعاف ما يعترف به أهل الكتاب من أثار أنبيائهم مجتمعين.
- وقد حقق الله وعده ونبوءات نبيه ببقاء أمته واتساع ملكها بعده صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (سورة النور: 55)
- فأبقى الله ملك أمة نبيه الخاتم وحفظ وحيه بعد موته إلى قيام الساعة؛ قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (سورة الأحزاب: 40)
10- وأما عدم علمه صلى الله عليه وسلم إلا بعد التناول منها فهو صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب إلا بقدر ما يعلمه الله عز وجل، ووقوع ذلك له صلى الله عليه وسلم ليس سابقًا لما قدّره الله سبحانه له بعلمه جل شأنه، كما أن إخباره صلى الله عليه وسلم بما فيها من السم لم يكن كذبًا وقد مات صاحب له كان يأكل منها معه.
- قال تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ ((لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ)) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (سورة الأعراف: 188)
- وقال تعالى عن الملائكة: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (سورة مريم: 64) فلا يأتيه وحي بشيء إلا بعد أن يأذن الله.
- فهناك مغالطة في كلام هؤلاء حين يقولون: لماذا لم يعلم أنها مسمومة قبل أكله منها؛ وكأنه صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب ذاتيًّا من عند نفسه، فهذا ليس من اعتقادنا فيه صلى الله عليه وسلم، فليتنبه لذلك.
- ولو كان صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب لأخبر بالوحي قبل أن يأتيه به جبريل عليه السلام.
- والحمد لله أولًا وآخرًا.
- قال: وقد قال نبيكم = صلى الله عليه وسلم = فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا عَائِشَةُ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ». (رواه البخاري)
- قال الإمام ابن الأثير في النهاية: الأبهر: عرق في الظهر؛ وهما أبهران. وقيل: هما الأكحلان اللذان في الذراعين. وقيل: هو عرق مستبطن القلب فإذا انقطع لم تبق معه حياة. انتهى
- وقد قال ربكم: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ. لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} (سورة الحاقة: 44- 47)
- قال الإمام البغوي: {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} قال ابن عباس: أي نياط القلب وهو قول أكثر المفسرين. وقال مجاهد: الحبل الذي في الظهر. وقيل هو عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب، فإذا انقطع مات صاحبه.
- فدل ذلك أن الله أهلكه بكذبه عليه لتوافق صفة الوفاة مع الوعيد على التقول على الله.
-
- الجواب:
1- الوعيد الوارد في سورة الحاقة ورد على بعض الأقاويل، أي: على أقل ما يطلق عليه افتراء على الله.
- وهذا الوعيد مما نزل بمكة: فهل هذه الآية من كلام الله أم لا؟
- إن قالوا: من كلام الله: فقد أثبتوا له الرسالة الوحي.
- وقد قال تعالى: {وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} (سورة الضحى: 4) فدل أنه صلى الله عليه وسلم لا يقع منه تبديل، وأنه على هدى من ربه حتى لقائه.
- وإن قالوا: ليست من كلام الله: فقد أسقطوا ما فيها من الوعيد: فلا يحتج بها على شيء.
2- وأيضًا: فالأكل من تلك الشاة إنما تم في أواخر العهد المدني بعد استقرار الدولة وتعاظم شوكتها، وانهيار دولة المشركين في جزيرة العرب تقريبًا، فهل يتصور وقوع الكذب من النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحال مع امتناعه حال الاستضعاف في العهد المكي؟ !!
3- وأيضًا: فليس في موته صلى الله عليه وسلم بعد سنوات متأثرًا بذلك السُّم شيء إلا: أن جمع الله له بين الحسنيين، وليكتب له مع أجر النبوة ((أجر الشهادة)).
4- ولا شك أن ((علمه صلى الله عليه وسلم بأنها مسمومة)) وإخباره بذلك عن مقالها له، ثم ثبوت الأمر على وفق ما أخبر: دليل آخر من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.
5- ولا شك أيضًا: أن عدم موته بالسم فور أكله من الشاة المسمومة كمن مات ممن أكل معه صلى الله عليه وسلم من نفس الشاة، ((وحياته سنوات)) بعد ذلك: هو علم آخر من أعلام نبوته وبراهين صدقه صلى الله عليه وسلم.
6- وأما قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ((بَلِّغْ)) مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (سورة المائدة: 67) فالعصمة من الناس فيه معلقة بالبلاغ بدلالة قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ} فإذا استكمل الدين اعتقادًا وتشريعًا وأتم صلى الله عليه وسلم البلاغ، ولم يؤمر صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بأمر يبلغه للناس كما في قوله تعالى: {الْيَوْمَ ((أَكْمَلْتُ)) لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (سورة المائدة: 3)
- فقد ذهب ملزوم العصمة وهو الحفظ من القتل.
- فلذلك لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى أخبر الله بإتمام البلاغ، ثم بعد الإتمام وقعت الوفاة.
7- وأيضًا فقد وقعت وفاته صلى الله عليه وسلم بعد ((تخييره)) فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ ((خَيَّرَ عَبْدًا)) بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ: فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ». فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه؛ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا يُبْكِى هَذَا الشَّيْخَ: إِنْ يَكُنِ اللَّهُ ((خَيَّرَ)) عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ ((فَاخْتَارَ)) مَا عِنْدَ اللَّهِ؟!! ((فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْعَبْدَ)) وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا. قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَىَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ: أَبُو بَكْرٍ؛ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي: لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ؛ لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ إِلاَّ بَابُ أَبِى بَكْرٍ». (رواه البخاري)
8- وقد أخبره الله سبحانه قبل وفاته صلى الله عليه وسلم أن لوفاته بشرى ((وعلامة خير)) وهي فتح مكة، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ .صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ». قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَاكَ تُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. فَقَالَ: «خَبَّرَنِي رَبِّي أَنِّى سَأَرَى عَلاَمَةً فِي أُمَّتِي فَإِذَا رَأَيْتُهَا أَكْثَرْتُ مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. فَقَدْ رَأَيْتُهَا {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَتْحُ مَكَّةَ {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًاْ». (رواه مسلم)
- وقال في حجة الوداع: «لَعَلِّي لاَ أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا». (رواه الترمذي وابن ماجة)
- وقال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا». فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رضي الله عنهما: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا ((لَوَصِيَّتُهُ)) إِلَى أُمَّتِهِ «فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا ((بَعْدِي)) كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». (رواه البخاري ومسلم)
- فهل تعد الوفاة بعد إتمام البلاغ وإكمال الدين والتخيير فيها: عقوبة عند أحد من العقلاء؟ !!
9- وأيضًا فالمأثور عنه صلى الله عليه وسلم في باب النبوءات الشاهدات بصدقه، والتشريعات والعقائد هو أضعاف أضعاف ما يعترف به أهل الكتاب من أثار أنبيائهم مجتمعين.
- وقد حقق الله وعده ونبوءات نبيه ببقاء أمته واتساع ملكها بعده صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (سورة النور: 55)
- فأبقى الله ملك أمة نبيه الخاتم وحفظ وحيه بعد موته إلى قيام الساعة؛ قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (سورة الأحزاب: 40)
10- وأما عدم علمه صلى الله عليه وسلم إلا بعد التناول منها فهو صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب إلا بقدر ما يعلمه الله عز وجل، ووقوع ذلك له صلى الله عليه وسلم ليس سابقًا لما قدّره الله سبحانه له بعلمه جل شأنه، كما أن إخباره صلى الله عليه وسلم بما فيها من السم لم يكن كذبًا وقد مات صاحب له كان يأكل منها معه.
- قال تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ ((لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ)) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (سورة الأعراف: 188)
- وقال تعالى عن الملائكة: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (سورة مريم: 64) فلا يأتيه وحي بشيء إلا بعد أن يأذن الله.
- فهناك مغالطة في كلام هؤلاء حين يقولون: لماذا لم يعلم أنها مسمومة قبل أكله منها؛ وكأنه صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب ذاتيًّا من عند نفسه، فهذا ليس من اعتقادنا فيه صلى الله عليه وسلم، فليتنبه لذلك.
- ولو كان صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب لأخبر بالوحي قبل أن يأتيه به جبريل عليه السلام.
- والحمد لله أولًا وآخرًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق