- الرد على من يقول: ورد حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِر وهذا يتنافى مع مقام النبوة.
- وفي القرآن: {.... إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} (سورة الإسراء: 47)
-
- الجواب:
- نص الحديث:
- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا فَعَلَهُ، [وفي رواية: حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِى النِّسَاءَ وَلاَ يَأْتِيهِنَّ] حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهْوَ عِنْدِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟». قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «جَاءَنِي رَجُلاَنِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، الْيَهُودِيُّ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ. قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ». قَالَ: فَذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْبِئْرِ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: «لاَ، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ وَشَفَانِي، وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا». وَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ». (رواه البخاري ومسلم)
- قال العلماء: المشط آلة التسريح؛ والمشاطة ما يخرج فيها من الشعر إذا مشط؛ والجُف: وهو الغشاء الذي يكون على طلع النخل.
-
1- واضح لمن يفم ما يقرأ: أن الحديث إنما يتكلم عن الحبس عن النساء في الفراش.
- وأن الآية إنما تذكر كلام الكفار في وحي يتلى عليهم وهم في كبر أن يتبعوه.
2- وواضح كذلك أن وصفهم للوحي المتلو بأنه سحر هو دليل على تأثير منه ((وقع على أنفسهم)).
- وأما الحديث فيتكلم عن تأثير ((وقع على النبي صلى الله عليه وسلم)) في جسده.
- فالوحي ليس هو بدن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث يتكلم عن ضرر وقع في جسده صلى الله عليه وسلم.
3- ثم الآية تصف قولهم بأنه ظلم ((وكذب)) في دعواهم أن القرآن سحر.
- وأما الحديث فيصف ابتلاءً ((ليس بالكذب)) وقع في بدنه صلى الله عليه وسلم.
4- أن التوافق بين موضوع الآية والحديث هو: ((دلالة النبوة فيهما)) وانتفاء التهمة بكونه صلى الله عليه وسلم ساحرًا:
- فالآية تخبر عن غيب قاله الكفار في نجواهم، ولم يقولوا: نحن لم نقل ذلك.
- والحديث يخبر عن إتيان الملائكة إلى الرسول بالوحي ليخبروه بأنه مسحور، وباسم من سحره، وصفة الشيء الذي سحره فيه، والمكان الذي واراه فيه؛ وكل ذلك كان كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
- وقال تعالى: {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ((وَإِذْ هُمْ نَجْوَى)) إِذْ ((يَقُولُ الظَّالِمُونَ)) إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} (سورة الإسراء: 47)
5- ولو كان صلى الله عليه وسلم ساحرًا كما اتهمه الكافرون: ما أصيب بسحر كما أثبته الحديث؛ وكذلك الآية تكذب الكافرين في افترائهم أنه ساحر.
6- ونفس الحديث دليل على أن السحر لم يتسلط على عقل النبي صلى الله عليه وسلم وفهمه، ولا على دينه.
- وهو قوله عائشة رضي الله عنها: ((حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهْوَ عِنْدِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ)) فتوجه إلى الله بالدعاء = والدعاء مخ العبادة وروح التدين =: على صفته الصحيحة، وطريقته المستقيمة، من غير تحول ولا ذهول.
7- ودليل لآخر: أنه صلى الله عليه وسلم لم ينقطع عن ملاقاة صحابته ولا انقطعوا عنه في فريضة من الفرائض؛ فلو نال هذا السحر من عقله أو تدينه ما خفي على أحد ولأشاعه المنافقون واليهود.
8- ودليل آخر: وهو أن اليهود لو قدروا على سحره صلى الله عليه وسلم فيما يضر عقله ودينه: لفعلوا، وهذا لا يفوت شرهم، ((والظن بهم أنه قد حاولوا ذلك فعجزوا)) ثم لم يستطيعوا معه صلى الله عليه وسلم إلا هذا المقدار من الأذى.
9- ثم الحديث من الأدلة أنه صلى الله عليه وسلم من عباد الله الصابرين: لطول مدة هذا البلاء معه؛ فقد ورد في رواية الإمام أحمد: أنه صلى الله عليه وسلم ظل مبتلى بهذا السحر مدة ستة أشهر.
10- وفي الحديث مواساة لمن يبتلى بذلك من أمته صلى الله عليه وسلم بعده، وأسوة للصابرين منهم.
11- والحاصل منه رفع درجته صلى الله عليه وسلم كما في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا. قَالَ: «أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ». قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ: «أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». (رواه البخاري ومسلم)
12- وأنه صلى الله عليه وسلم من عباد الله الشاكرين، قالت رضي الله عنها: حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهْوَ عِنْدِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ.
13- وأن الله سبحانه هو وليه والملائكة المقربون؛ قال: «جَاءَنِي رَجُلاَنِ؛ .... وفي رواية الإمام أحمد: فأتاه ملكان».
14- وأن الله سبحانه يستجيب دعاءه، قال: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ وَشَفَانِي».
15- والله سبحانه إنما يتقبل من المتقين، فهو من أدلة كونه صلى الله عله وسلم سيد المتقين، وأن دعاءه دواء وشفاء.
16- وأنه صلى الله عليه وسلم حريص على أمته، وله نظره في عواقب الأمور، قال: «وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا».
17- أن السحر الواقع في الحديث هو ((سحر تخييل)) ومثله ما وقع لموسى عليه السلام، فمن جوز الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم بوقوع سحر التخييل عليه: فإنه يلزمه تجويز الكفر بموسى عليه السلام، قال تعالى: {قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (سورة طه: 66) ومن أجاز رد الحديث لهذه العلة لزمه رد آية في كتاب الله.
- وكما لم تسقط النبوة بالتخييل لموسى عليه السلام: فكذلك هنا في حق محمد صلى الله عليه وسلم.
18- أن النبي صلى الله عليه وسلم ((بشر)) يجوز عليه ما يجوز على البشر من المرض والبلاء ونحوه.
- وعصمته صلى الله عليه وسلم إنما هي من القتل، ومن القول على الله تعالى غير الحق، وهي إجمالًا عصمته في التبليغ، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ((بَلِّغْ)) مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا ((بَلَّغْتَ)) رِسَالَتَهُ ((وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ)) مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (سورة المائدة: 67)
- وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (سورة الحجر: 9)
- أما إيقاع الأذى والضرر (((البدني))) = كما هو هنا في الحديث = فقد يقع برسل الله وأوليائه ابتلاءً لرفع درجاتهم، كما قال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ....} (سورة البقرة: 102)
- فهذا البلاء كما قال تعالى في ذكر قصة عبده أيوب عليه السلام: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي ((مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ)) ((بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)) (سورة ص: 41) يريد ((مرضه)) وما كان يقاسي فيه من أنواع الوصب.
- وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِىَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِى عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ». (رواه الترمذي وابن ماجة)
-
- والحمد لله أولًا وآخرًا.
- وفي القرآن: {.... إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} (سورة الإسراء: 47)
-
- الجواب:
- نص الحديث:
- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا فَعَلَهُ، [وفي رواية: حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِى النِّسَاءَ وَلاَ يَأْتِيهِنَّ] حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهْوَ عِنْدِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟». قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «جَاءَنِي رَجُلاَنِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، الْيَهُودِيُّ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ. قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ». قَالَ: فَذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْبِئْرِ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: «لاَ، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ وَشَفَانِي، وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا». وَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ». (رواه البخاري ومسلم)
- قال العلماء: المشط آلة التسريح؛ والمشاطة ما يخرج فيها من الشعر إذا مشط؛ والجُف: وهو الغشاء الذي يكون على طلع النخل.
-
1- واضح لمن يفم ما يقرأ: أن الحديث إنما يتكلم عن الحبس عن النساء في الفراش.
- وأن الآية إنما تذكر كلام الكفار في وحي يتلى عليهم وهم في كبر أن يتبعوه.
2- وواضح كذلك أن وصفهم للوحي المتلو بأنه سحر هو دليل على تأثير منه ((وقع على أنفسهم)).
- وأما الحديث فيتكلم عن تأثير ((وقع على النبي صلى الله عليه وسلم)) في جسده.
- فالوحي ليس هو بدن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث يتكلم عن ضرر وقع في جسده صلى الله عليه وسلم.
3- ثم الآية تصف قولهم بأنه ظلم ((وكذب)) في دعواهم أن القرآن سحر.
- وأما الحديث فيصف ابتلاءً ((ليس بالكذب)) وقع في بدنه صلى الله عليه وسلم.
4- أن التوافق بين موضوع الآية والحديث هو: ((دلالة النبوة فيهما)) وانتفاء التهمة بكونه صلى الله عليه وسلم ساحرًا:
- فالآية تخبر عن غيب قاله الكفار في نجواهم، ولم يقولوا: نحن لم نقل ذلك.
- والحديث يخبر عن إتيان الملائكة إلى الرسول بالوحي ليخبروه بأنه مسحور، وباسم من سحره، وصفة الشيء الذي سحره فيه، والمكان الذي واراه فيه؛ وكل ذلك كان كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
- وقال تعالى: {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ((وَإِذْ هُمْ نَجْوَى)) إِذْ ((يَقُولُ الظَّالِمُونَ)) إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} (سورة الإسراء: 47)
5- ولو كان صلى الله عليه وسلم ساحرًا كما اتهمه الكافرون: ما أصيب بسحر كما أثبته الحديث؛ وكذلك الآية تكذب الكافرين في افترائهم أنه ساحر.
6- ونفس الحديث دليل على أن السحر لم يتسلط على عقل النبي صلى الله عليه وسلم وفهمه، ولا على دينه.
- وهو قوله عائشة رضي الله عنها: ((حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهْوَ عِنْدِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ)) فتوجه إلى الله بالدعاء = والدعاء مخ العبادة وروح التدين =: على صفته الصحيحة، وطريقته المستقيمة، من غير تحول ولا ذهول.
7- ودليل لآخر: أنه صلى الله عليه وسلم لم ينقطع عن ملاقاة صحابته ولا انقطعوا عنه في فريضة من الفرائض؛ فلو نال هذا السحر من عقله أو تدينه ما خفي على أحد ولأشاعه المنافقون واليهود.
8- ودليل آخر: وهو أن اليهود لو قدروا على سحره صلى الله عليه وسلم فيما يضر عقله ودينه: لفعلوا، وهذا لا يفوت شرهم، ((والظن بهم أنه قد حاولوا ذلك فعجزوا)) ثم لم يستطيعوا معه صلى الله عليه وسلم إلا هذا المقدار من الأذى.
9- ثم الحديث من الأدلة أنه صلى الله عليه وسلم من عباد الله الصابرين: لطول مدة هذا البلاء معه؛ فقد ورد في رواية الإمام أحمد: أنه صلى الله عليه وسلم ظل مبتلى بهذا السحر مدة ستة أشهر.
10- وفي الحديث مواساة لمن يبتلى بذلك من أمته صلى الله عليه وسلم بعده، وأسوة للصابرين منهم.
11- والحاصل منه رفع درجته صلى الله عليه وسلم كما في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا. قَالَ: «أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ». قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ: «أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». (رواه البخاري ومسلم)
12- وأنه صلى الله عليه وسلم من عباد الله الشاكرين، قالت رضي الله عنها: حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهْوَ عِنْدِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ.
13- وأن الله سبحانه هو وليه والملائكة المقربون؛ قال: «جَاءَنِي رَجُلاَنِ؛ .... وفي رواية الإمام أحمد: فأتاه ملكان».
14- وأن الله سبحانه يستجيب دعاءه، قال: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ وَشَفَانِي».
15- والله سبحانه إنما يتقبل من المتقين، فهو من أدلة كونه صلى الله عله وسلم سيد المتقين، وأن دعاءه دواء وشفاء.
16- وأنه صلى الله عليه وسلم حريص على أمته، وله نظره في عواقب الأمور، قال: «وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا».
17- أن السحر الواقع في الحديث هو ((سحر تخييل)) ومثله ما وقع لموسى عليه السلام، فمن جوز الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم بوقوع سحر التخييل عليه: فإنه يلزمه تجويز الكفر بموسى عليه السلام، قال تعالى: {قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (سورة طه: 66) ومن أجاز رد الحديث لهذه العلة لزمه رد آية في كتاب الله.
- وكما لم تسقط النبوة بالتخييل لموسى عليه السلام: فكذلك هنا في حق محمد صلى الله عليه وسلم.
18- أن النبي صلى الله عليه وسلم ((بشر)) يجوز عليه ما يجوز على البشر من المرض والبلاء ونحوه.
- وعصمته صلى الله عليه وسلم إنما هي من القتل، ومن القول على الله تعالى غير الحق، وهي إجمالًا عصمته في التبليغ، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ((بَلِّغْ)) مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا ((بَلَّغْتَ)) رِسَالَتَهُ ((وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ)) مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (سورة المائدة: 67)
- وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (سورة الحجر: 9)
- أما إيقاع الأذى والضرر (((البدني))) = كما هو هنا في الحديث = فقد يقع برسل الله وأوليائه ابتلاءً لرفع درجاتهم، كما قال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ....} (سورة البقرة: 102)
- فهذا البلاء كما قال تعالى في ذكر قصة عبده أيوب عليه السلام: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي ((مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ)) ((بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)) (سورة ص: 41) يريد ((مرضه)) وما كان يقاسي فيه من أنواع الوصب.
- وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِىَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِى عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ». (رواه الترمذي وابن ماجة)
-
- والحمد لله أولًا وآخرًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق